الالتهاب الصامت وعلاقته بتصلب الشرايين
بداية
تخيل مبسط للميتوكوندريا
تخيل ان الميتوكوندريا مثل الفرن البلدي الذى تضع فيه القش ثم تضرم فيه النار لتسوية الطعام. وبعد تسوية الطعام يتحول القش الى رماد. هذا الرماد اما ان يكون الفرن قادرا على التخلص منه بنفسه او انه سينتشر في
الغرفة بأكملها مؤثرا على كل ما بها من اثاث.
والان
ماذا تقصد بالالتهاب الصامت؟ هل تقصد التهابات الدمامل والخراريج ام الالتهاب الكبدي الفيروسي المزمن؟
ليس هذا هو المقصود بالمرة، لأن التهابات الدمامل والخراريج تسمى التهابات حادة (اى سريعة) ضد باكتيريا معينة والاتهاب الكبدى الفيروسى هو التهاب يقوم به جهاز المناعة للهجوم على الفيروس المتسبب بغرض احتوائه والتخلص منه في اسرع وقت. ويصحب ذلك الالتهاب ظهور اعراض على الشخص مثل ارتفاع درجة الحرارة والالم وتورم مكان الالتهاب واحمرار في مكان الالتهاب.
وما هو الالتهاب الصامت اذن؟
الالتهاب الصامت معناه تنشيط خلايا المناعة ايضا ولكن بوتيرة بطيئة جدا ومستمرة لا تؤدى الى ظهور اعراض حادة مثلما في حالة الالتهاب الحاد من احمرار وتورم والم. ولا يكون موضع الالتهاب الصامت محددا مثل موضع الدمل مثلا بل يكون الالتهاب في جميع انسجة الجسم وبخاصة الشرايين والمخ.
وما هو الشيء المثير لحدوث الالتهاب الجسم الصامت بهذه الطريقة المخيفة؟
علمنا ان ما يثير الالتهاب عامة هو وجود جسم غريب عن انسجة الجسم مثل الباكتيريا او الفيروسات اما في حالة الالتهاب الصامت فالمثير للالتهاب يكون اما اشياء ينتجها الجسم بنفسه نتيجة لتناولنا اطعمة غير صحية مثل نواتج تعامل الكبد مع سكر الفركتوز او اشياء تدخل الجسم في الطعام الذى نتناوله فتكون هى بنفسها مثيرة للالتهاب حتى قبل ان يتعامل معها الجسم مثل انواع معينة من الدهون او الزيوت النباتية التي يسهل تعرضها لعمليات الاكسدة التي تحدث باستمرار في الجسم. وبعد اكسدتها تتغير طبيعتها، وتصبح اجسام غريبة عن الجسم يستوجب على جهاز المناعة مهاجمتها.
وما الذى يؤدى الى انتاج مواد مؤكسدة في الجسم من الاصل؟
المواد المؤكسدة تنتج بصورة طبيعية في الجسم وعلى الدوام نتيجة لعملية حرق الغذاء فى المايتوكوندريا (افران انتاج الطاقة بالخلايا) وهذا يحدث فى كل مره نتناول فيها طعاما وبصورة طبيعية. ولكن تقوم الميتوكوندريا نفسها بالتعامل مع هذه المواد المؤكسدة والتخلص منها. اولا بأول. ولكن اذا ضعفت نشاط المايتوكوندريا فإن هذه المواد المؤكسدة تتفلت منها الى الدورة الدموية لتؤكسد كل ما يسهل اكسدته .
وهناك مواد مؤكسدة من البيئة ايضا تدخل اجسامنا مثل التدخين.
وهناك تفاعل السكر مع بروتينات الجسم فيغير من طبيعتها لتصبح بروتينات متشابكة فاقدة للمرونة وتصبح ايضا جسما غريبا على الجسم..( ولكن هذا التفاعل لا يسمى علميا اكسده).
واما لماذا يضعف اداء المايتوكوندريا ونشاطها، فهذا موضوع اخر سأتطرق اليه في مقال اخر ان شاء الله.
وما خطورة حدوث هذه الاكسدة؟
عندما تتأكسد انواع محددة من الدهون وايضا عندما يتحد السكر مع البروتينات تنتج مركبات ذات طبيعة غريبة على التكوين الطبيعي للجسم. فيتعرف عليها جهاز المناعة. وتبدأ عملية الهجوم أي الالتهاب الصامت.
هل يمكن ان تضرب لنا مثلا يوضح مايترتب على هذا الالتهاب الصامت؟ وما الذى يحدث اذا تأكسدت الدهون؟
الدهون التي تنتج من تحويل سكر الفراكتوز في الكبد تعد من اخطر الدهون (اخطر انواع الكولسترول). وذلك لسببين اولا لأنها تكون سهلة الاكسدة وثانيا لأنها تكون صغيرة الحجم جدا. وتستطيع النفاذ من بين الخلايا (المبطنة للشرايين من الداخل) وتسلل من الدم الى داخل جدران الشرايين. وعندما تتأكسد هذه الدهون تصبح جسما غريبا عن الجسم (أي مثل الميكروب) فيتحرك جهاز المناعة بخلاياه المناعية لابتلاع هذه الدهون الغريبة بعد دخولها الى جدار الشريان بهدف السيطرة عليها والحد من انتشارها وهذا هو الالتهاب. وكلما ابتلعت الخلايا المناعية دهون اكثر كلما انتفخت اكثر واكثر. حتى تصبح كل خلية مثل الكيس الممتلئ بالدهون. وتتجمع هذه الخلايا المناعية الممتلئة بالدهون بجوار بعضها البعض في جدران الشرايين فتنتفخ جدران الشرايين في مناطق تجمع هذه الخلايا (الاكياس) مسببة نتوءات بارزة على اسطح الشريان من الداخل مؤدية الى تضيقها وهذا يسبب اعراض الذبحة الصدرية اذا كانت الشرايين المتضيقة هى شرايين القلب. فيؤدى ذلك الى نقص التروية الدموية لعضلة القلب. وبعد فتره فإن عدد وحجم هذه الخلايا المناعية يزداد عددا ويزداد انتفاخا فتتجمع وتصبح مثل القنبلة الموقوتة الى اذا انفجرت وانطلق محتواها الى مجرى الدم في المنطقة التي حدث عندها الانفجار فسيحدث انسداد للشريان. أي حدوث الجلطة.
اتريد ان تقول ان الفركتوز هو المتسبب فى حدوث تصلب الشرايين؟
نعم تماما وبصفة اساسية لكن هناك عوامل اخرى سيلى ذكرها مثل ما هو متعلق بالزيوت النباتية وغيرها.
واضافة الى ما سبق فإن الدهون التي تتجمع في الشرايين تجذب اليها الكالسيوم الذى يترسب في تلك الدهون فتتكلس. ومن هنا جاء لفظ تصلب الشرايين.
وما اهمية معرفة ان تصلب الشرايين يبدأ بحدوث التهاب صامت؟
لسببين
الاول. انه يمكن التحكم في ما نأكل من فركتوز واشياء اخرى يمكن اكسدتها بسهولة فنتفادى حدوث هذا الالتهاب الصامت والذى وتؤدى في النهاية الى تصلب الشرايين والجلطات واشياء اخرى. وهذه واحدة من النصائح المتبعة مع مرضى شرايين القلب والمخ.
ثانيا ان ضعف نشاط الميتوكوندريا يساهم تفلت العوامل المؤكسدة الى الدم وهناك طرق يمكن بها رفع نشاط وكفاءة الميتوكوندريا لتتخلص بنفسها من العوامل المؤكسدة قبل ان تصل الى الدم.
ثالثا ان هناك مواد غذائية يمكن ان تحد من عملية اثارة جهاز المناعة فى الشرايين.
رابعا ان هناك فيتامين يساهم فى رفع التكلس الذى حدث بالفعل في جدران الشرايين.
خامسا. وهو شيء هام جدا. ان ليس كل الكولسترول يسبب تصلب الشرايين وانما النوع الذى ينتج من الفركتوز في الكبد وتحويله الى هذا النوع الخطير من الدهون. وانه كلما حاولنا خفض الكولسترول بالادوية وترك الالتهاب نشطا فلن يكون هناك حد من امراض شرايين القلب والمخ. والدليل على ذلك ان اكثر من نصف من يصابون بجلطة شرايين القلب يكون مستوى الكولسترول لديهم طبيعى.
الخلاصة
هى ان الالتهاب وليس الكولسترول هو الخطوة الاولى في حدوث تصلب الشرايين والجلطات وهذا يمكن منعه.
اتريد ان تقول ان هناك كولسترول مفيد وكولسترول ضار؟
نعم وهذ ا سيتم مناقشته في مقال اخر.
د احمد فول
أخصائي طب وصحة المسنين ومكافحة الشيخوخة.